الجدول المدرسي

منذ أن كُلِّفْتُ بإدارة المدرسة تعالت الصيحات ، وارتفعت الأصوات ، تعلن الاعتراض على الجدول والشكوى من واضعيه ؛ حتى طلبت مني لجنة الجدول إعفاءها ، وكثيرا ما كنت أماطل في إعفائها ، لأن الخيار الذي سيكون أمامي أو البديل سيتمثل في وضع الجدول إلكترونيا ،
والسيد الكمبيوتر ـ كما يعلم الجميع ـ لاقلبَ له ، ولا يعرف الرحمة ، ولا يفرق بين رجل وامرأة ، ولا بين معلم مساعد وخبير ، ولا يميز بين مقيم ومسافر؛ لذلك حرصا على صالح العاملين كنت أماطل في إعفائهم ، وأحثهم على مراعاة من له ظروف لكن بشرط ألا يكون ذلك على حساب العملية التعليمية ومصلحة الطلاب ، وكنت أوصيهم أن يعدلوا بين المعلمين قدر الإمكان لعلمي أن واضع الجدول مهما أوتي من مهارة وذكاء ، ومهما تحلى بالعدل والإنصاف ، واتسم بالموضوعية لن يستطيع أن يُرضِي جميع الأطراف ، ولايمكن أن يحقِّقَ مطالبَ معلم واحد كاملة غيرمنقوصةٍ ، بل إني لأعلم علم اليقين أن راحة معلم إنما تكون على حساب معلم آخر، وأنه إذا كان هناك ظالم فلا بدَّ أن يكون هناك مظلومٌ ، وكنت أقولُ إذا ارتاح عشرةُ معلمين فإن ذلك سيكون أفضلَ من أن يشقوا جميعا بالجدول الإلكتروني الذي يقوم على البعثرة والعشوائية ، وعدم مراعاة أي ظروف إنسانية .
لكن استمر الصراخ والعويل من الجدول وواضعيه ، ونمى إلى علمي أن كثيرا منهم غير راض ولا يبدي أي اعتراض ، ولا يظهر لي تأفُّفا ؛ لعلمه بمكان اللجنة مني ـ رغم أني على مسافة واحدة منهم جميعا ـ حتى ألقي في روعي أن هذا الانتهاض ـ إن لم يكن لغرض من الأغراض ـ فهو لمجرد الاعتراض .
فكان لابد من أن ألجأ إلى الخيار الصعب ، وأُقْبِلُ عليه ، وأتقبَّلُه مهما كانت نتائجه ـ وإن لم أكن راضيا ـ ؛ ـ لأنه تقبُّلُ المضطر ـ ، فقمتُ بتغذية الكمبيوتر بالبرامج والخطط ، وبضغطة واحدة على زرِّ تنفيذ الخطَّة برز الجدول ، وانبثقَ من رحم الكمبيوتر ، لا أقول : نبتةً تحتاجُ إلى تعهد أو رعاية ، بل لقد خرجَ مكتملَ النمو مستويًا على سوقِه .
فهل يكفُّ المعلمون بالمدرسة عن الشكوى ؟ ، وهل يلزم كل منهم حصصه دون أن يتضجَّر ، ويؤدي عمله دون أن يعترض أو يتذمَّر ؟
أرجو ذلك وقد تحققت لهم الآمال ، وتخلصوا من أخي كمال ، بل هو الذي نفضَ عنه ـ واللهِ ـ همَّهم ، وأزاحَ عنه نكدَهم وغمَّهم ، وألقاهم إلى صخرةٍ لاتسمعُ شكوى ، ولا تلتفتُ إلى دعوى ، لقدْ أوقعهم بين يديْ دجال ، يبذر ويحصدُ في الحال ، لا همَّ له إلا ملءُ الفراغاتِ ، دون أن يكونَ هناك نقصٌ أو زيادات

كلمة كثيرا ما سمعتها عن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ
ومعَ أنِّي كنت أعتقدُ صحةَ ما يقولُ ، لكنْ ما اطمأن قلبي إليها إلَّا الآنَ
إنها قولُه :
( رضا الناس غايةٌ لا تُدركُ ؛ فاحرصْ على ما ينفعُك )
رحمَ اللهُ الشافعيَّ

أتدرون ما أفضل مثل أو تشبيه يصدق على واضع الجدول ؟
إنه كصاحب الثنتين ،
وما أدراك ما صاحب الثنتين ؟
إنه بين جمرتين أيتهما أدركته أحرقته
وصدق الأعرابي حين قال :
تزوَّجْتُ اثْنتَيْنِِ لفرْطِ جهلي * بمَا يشقـى بِـهِ زوجُ اثْنتَيـْن
فقلتُ أصيرُ بينهما خرُوفًـا * أُنعَّـمُ بيـنَ أكـرمِ نعجتيـن
فصِرْتُ كنعجةٍ تُضْحي وتُمْسي * تَدَاولُ بين أخبثِ ذئبتيـن
رضَا هَذِي يُهيِّجُ سُخْطَ هَذي * فمَا أنجُو مِنِ احْدَى السُّخْطتين
وألقى في المعيشة كل ضُرٍّ * كذاكَ الضرّ بيـن الضرّتيـن
لِهذِي ليلةٌ ولتلـكَ أخْـرى * عتـابٌ دائـمٌ فـي اللَّيلَتيـن
فإن أحببْتَ أنْ تبقَى كريمًا * منَ الْخيْـرَاتِ ممْلُـوءَ اليديـن
فعشْ عَزَبًا فإنْ لمْ تستطعْهُ * فضَرْبًا في عراضِ الجحفلين

قالوا قديما :
( لإرضاء الرجال أصعب من نقل الجبال )
وعليه أقول :
( لحمل الجنادل أخف على الكاهل من وضع الجداول )

الجدول المدرسي

الجدول المدرسي

رد: الجدول المدرسي

رد: الجدول المدرسي

رد: الجدول المدرسي